رواية فاطمة الجزء الاول

موقع أيام نيوز

عن جسده المعطف الشتوي ثم غادر مقصورته متوجها صعودا إلى سطح الباخرة ليستنشق الهواء العليل ويطالع السماء والنجوم اللامعة التي تلتف حول السحب البيضاء في صورة متناغمة والقمر الساطع الذي ينير عكمة الليل في ذلك الوقت فهو يعشق السفر ليلا يفضل الهدوء والسكون والتأمل بذهن صاف رغم الضوضاء المنبعثة حوله من ثرثرة الاناس فجأة أنتشله من حالة تأمله لزرقة المياه القاتمة عزف البيانو الذي يهواه ولكن كان العزف نشازا منما جعله يشمئز من تلك الضجة المصاحبة مع أحاديث وهمهمات الفتيات وصوت العزف. 
نزع قبعته وأمسك بها ثم ارتكز بساعدية على سياج الباخرة الخشبيه وما زال يطالعها وهي تبحر داخل المياه الزرقاء وتتمايل في حركتها المثقلة صعودا ونزولا تشق طريقها وسط ظلمة أمواج البحر الثائرة و النجوم المتلألأة أعلاها في السماء والقمر ينبعث من ضوءه وهج فضي ينير غسق الليل. 
لم يعد يتحمل الضجيج فقرر ترك سطح الباخرة والعودة إلى مقصورته لعله يأخذ قسطا من الراحة. 
مرت الثلاث ليال على وجود ألبرت في الباخرة بجهد وتكبل فقد عان بهما كثيرا بسبب الضوضاء المرتفعة والجلبة التي لا تنتهي سأم ذلك الوضع عندما اقتربت الباخرة على ميناء السويس وها هنا موعد اقترابه للأراضي المصرية وتنفس الصعداء لشعوره بالراحة وعندما صدح بواق الباخرة من عبورها الميناء تبسم في هدوء واستنشق الهواء البارد الذي الفح وجهه وخصلاته السوداء التي تطاير على اثرها تداعبه برقة طفل صغير تستقبله والدته بالاحضان وتداعب وجنته الملساء باناملها الرقيقة.. 
أسرع بخطوات واسعة يدلف داخل المقصورة ثم سحب حقيبته وارتدى المعطف الشتوي وقبعته ثم حمل حقيبته مغادرا إياها في تهابي وأستعداد لمغادرة الباخرة.. 
وبعدما انهي خروجه من الميناء بسلاسه تسأل كيفما يذهب إلى قاهرة المعز أخبره إحدى العاملين بالميناء باقلاع مركب سوف تبحر إلى نهر النيل بعد ساعة اذا كان يود الذهاب فعليه دفع الرسوم وأنتظار المركب التي تقله إلى أرض المحروسة.. 
غردت العصافير وحلقت الطيور في الأفق وأدلت الشمس أشعتها الذهبية التي تدفئ مياه نهر النيل وجريان الرياح فتح ألبرت عيناه على جمال وسحر المنظر البديع الطيور التي تتناغم وكانها تعزف سمفونية والأشجار الخضراء التي تقع على ضفاف النيل وسحر ميائه العذبة وجمال ورونق الطبيعة الخلابة التي تجعل من يتطلع لذلك المنظر الساحر كأنه يرا لوحة فنية رسمت بفن وأبداع وليس إي أبداع أنه من أبداع الخالق. 
هتف الصيد مرحبا به وقال بصوت ودود 
مصر نورت يا خواجة
طالعه ألبرت ببسمة طفيفة وقال باللغة العربية الفصحى الذي كان يدرسها ويدقنها جيدا 
مصر دائما منارة بأهلها. 
التقط حقيبته ولوح بكفه مودعا ذاك الرجل وتطلع للمارة حوله يتفقد الاناس في هذا الصباح وعندئذ وقعت عيناه على عربة حنطور أشار إلى سائقها الجالس بمقعده ويمسك باللجام ثم ضړب الخيل بالسياط ليتحرك خطوتين للأمام حيث يقف البرت
قال ألبرت بلكنة الجيدة
تسمح لي أن تصلني إلى خان الخليلي 
فهم الرجل لحديثه وهبط في خفة عن مقعده ليلتقط الحقيبة من يد ألبرت وهو يقول بلغته العامية البسيطة 
أتفضل يا خواجة وعاد على مسامعة الترحاب الشديد بوجوده وبعدما استقل الحنطور انطلق الجواد في تهادي وتطرق السائق لعدة أحاديث وكأنه مرشدا سياحيا يخبره عن القاهرة وشعبها وملكها الملك فؤاد الأول 
وللعجيب أنه لن يمل من ثرثرة السائق فقد كان مستمع جيدا له ويطلع هنا وهناك بنظرات ثاقبة يشاهد معالم مصر الحبيبة. 
ألي أن وصل للخان ولم يشعر بالطريق ترجل من الحنطور وأعطى الرجل مارك ألماني عملته في ذلك الوقت وسار بخطوات واسعة منبهرا بجمال خان الخليلي أحد أحياء القاهرة القديمة وهو يتمتع بجذب سياحي كبير بالنسبة لزوار القاهرة. 
يتميز بوجود بازارات ومحلات ومطاعم شعبية.
سار ألبرت في شارع طويل يوجد به عمارات مربعة القوائم تصل بينها ممرات جانبية تقاطع الشارع الأصلي وتزحم جوانب الممرات والشارع نفسه ب الدكاكين فدكان للساعاتي وخطاط وأخر أسكافي الاحذية المصنوعة من الجلد الطبيعي ورابع للسجاد وخامس للتحف وهكذا. بينما يقع هنا وهناك مقاهي لا يزيد حجم الواحدة منها عن حجم الدكان الصغير وقد جلس الصناع أمام الدكاكين يكبون على فنونهم في صبر.
وتتصدر الخان مقهى الفيشاوي التي تستطيع أن تحتسي الشاي والقهوة وتثرثر في أي

شيء كيفما شئت قبل أن تبدأ الجولة في الحي العتيق وليس هناك ماهو أمتع من التجوال سيرا على الأقدام داخل أزقة وحواري تحتاج إلى عبقرية في فك ألغازها وإلى حاسة سادسة لمعرفة طلاسمها فالأزقة متراصة كحبات عقد متداخلة كقوس قزح متعدد الألوان ولايعرف أحد حتى الآن الفلسفة المعمارية التي بني على أساسها خان الخليلي فالأرض مبلطة بحجر بازلتي أسود لامع والسوق مسقوف بخشب تحدى الزمن وعوامل التعرية والشمس تتسلل إلى حوانيت عديدة تشكل مع بعضها سراديب مليئة بالكنوز والتحف النادرة والمصنوعة بمهار
وإذا بدأت الرحلة في الخان فلابد وأن تلقي نظرة على ماتبقى من مشربيات مطلة على الشارع أو الحارة وأسبلة جميلة مشغولة واجهاتها بالنحاس وفيها أحواض الماء التي كانت تروي العطشان وعابر السبيل.
والمقاعد الخشبية التي رصها أصحاب المقاهي لجذب الرواد وبمجرد أن تدخل الشارع يتناهى إلى الأسماع عبارات الترحيب المصرية خفيفة الظل وكلمات أولاد البلد المرحبة تدعو الزائرات والزائرين للفرجة واللي مايشتري يتفرج. ولو دخلت أحد الحوانيت فإن البائع يستقبلك بعبارة مصر نورت ويرد الزائر الذي له خبرة بعالم القاهرة السحري ومفرداتها اللغوية مصر منوره بأهلها ويبدأ في عرض ما لديه من بضائع لاتفارقه ابتسامته وكلماته المتدفقة حول جودة بضاعته وأنها صنعت خصيصا لعشاق الفن اليدوي. وتجار الخان خبراء في فن البيع ورثوا التجارة والشطارة عن الأجداد وهم يعرضون الأصيل والمزيف من البضائع ولهم ۏلع عجيب بالمساومة كما يتسمون بصبر وجلد على إقناع الزبون..
كرنفال الزائرات والزائرين لحي خان الخليلي يتداخل مع ملابس مزركشة رصها أصحاب الحوانيت الدكاكين كنوع من العرض والإغراء والجذب على واجهة المحلات وتتدلى مئات وربما آلاف المسابح داخل فترينات العرض أو في أيدى صبية صغار يعرضون أنواعا شتى من المسابح بعضها مصنوع من بذر الزيتون والبلاستيك وتسمى نور الصباح وبعضها الآخر ينتمي لفصيلة الفيروز والمرجان والكهرمان واليسر ومنها مايصنع من خشب الصندل ويقول أحد الصناع المهرة إن المسبحة تصنع على آلة يدوية صغيرة ودقيقة اسمها المخرطة.
وفي خان الخليلي تحرص النساء من كل الجنسيات على شراء العقد الذي تتدلى منه عين حورس وتصنع العقود من خامات شتى وما على الزبون إلا تحديد طلبه وفق إمكاناته المالية وهنا يخرج له البائع تحفة فنية ربما مر على صناعتها مئات السنين 
وأهم مايلفت النظر في مشغولات خان الخليلي هو دقة الصناعة اليدوية هناك محلات تعرض قلادة أو أسورة عليها نقوشات ومنمنمات قضى في نقشها صانع ماهر أياما وربما شهور. والذهب هو الذهب مهما مر الزمان أو تغيرت الأوطان والسياح الأجانب يحرصون على شراء المشغولات الفضية لكن السياح العرب يحبون الذهب وقد زحفت محلات من شارع الصاغة الشهير إلى خان الخليلي بحثا عن زبون رفيع الذوق يقدر ما بين يديه من نفائس
كلما سار خطوة داخل الخان تتسع عيني أنبهارا وسحرا من منظره العريق وجماله الأخذ للعيون وجد مقهى قرر أن يستريح على أحدى مقاعدها الخشبية ووضع حقيبته لياتي شخصا من خلفه يلتقط الحقيبة ويفر هاربا ركضا بسرعة كبيرة نهض مصډوما من مجلسه وراءه بعض المتواجدين بالمقهى فلحق بذلك الشاب وحاصره من الجهة الأخرى شابا أخر وأمسك به ولكن فلت من بين يديه عاد الشاب يحمل الحقيبة بيده ويضعها أمام ألبرت قائلا
ماتخفش يا خواجة قدرت ألحقه
تبسم له ألبرت وشكره بأمتنان
اقترب منه الرجل الثاني وجلس على نفس الطاولة التي يجلس عليها ألبرت وقال هامسا بودية
نورت مصر يا خواجة
مد يده يصافحه وقال بلباقة
ألبرت أرثر
صافحه الآخر بمحبة وقال
عبدالله السعدني ثم أشار بكف يده لمحل سكنه ودكانه الذي يبتاع به السلع الغذائية وأخبره أيضا بأنه يمتلك شقة في الطابق الأرضي فارغة أذا أراد أن يستأجرها تلك المدة التي سيقضيها بالمحروسة واستحسنت الفكرة ألبرت وشكره بأمتنان على مساعدته وأصطحبه عبدالله وسار جانبه يأخذه المسكن خاصته ويعطيه الشقه ولم يعترض ألبرت الأمر وجدها فرصة مناسبة للقضاء أكثر فترة ممكنة داخل الخان ريثما ينهي العمل الذي جاء من أجله..
داخل المقهى.. 
الاناس المتواجدين على مقاعدهم الخشبية كل منها سارح في ملكوته منهم من يحتشي الشاي وبعضهم يلعبون الدومنة وأخرين يلعبون الشطرنج أما على الجانب الاخر يجلس مجموعة من الشباب المثقف مرتدين حلتهم ويضعون الطربوش الأحمر أعلى رؤسهم في مرحلة البكالوريا وشاب منهم يمسك بالجريدة يتحدث عن أخبار الملك فؤاد الأول وحاشيته وانه سوف يقام حفل في قصر عابدين بسبب عيد مولد ولي العهد الامير فاروق الأول. 
والمذايع يصدح داخل المقهى على نغمات المحطة الإذاعة بصوت المطرب محمد عبدالوهاب ..
وفي هذا الاثناء جاءت أحداهما تتبخطر في خطواتها بملابسها المزركشه الكاشفة عن ذراعيها وتضع الملاءة اللف السوداء لتواري جسدها الغض وكلما تحركت كشفت عن ساقيها الجميلتين المرمريتين ملفوفة القوام مرتدي شبشب بكعب عالي باللون الأسود وعليه من كل جانب وردة والخلخال يرن ويصدح صوته كلما سارت خطوة مما جعل العيون تترصد لها وتطالعها پشهوة ورغبة

في ألتهامها. 
هتف شابا ينفث في دخان شيشته الارجلة وهو جالسا على المقعد الخشبي داخل المقهى
مافيش نهارك سعيد ولا انا هواء يا ست الحسن والجمال
دارت وجهها ثم رمقته بنظرة شامخة وقالت بلامبالاة وهي تلوي ثغرها الرقيق أسفل اليشمك التي تضعه على وجهها يا سم 
عاد يهتف ببسمة طفيفة وهو يهندم من شاربه الرفيع 
أموت أنا في الثمنة البلدي 
اكملت خطواتها المتهادئة لتصل إلى صانع النحاس وقالت بصوت هادئ
نهارك سعيد يا معلم 
رفع الرجل أنظاره عن عمله الذي كان يدقنه بصبر وتفاني ورد باسما 
نهارك سعيد يا ست الكل أومريني 
ما يؤمرش عليك عدو خلصت الصينية النحاس اللي قولتلك عليها 
من بدري يا ست الكل 
أخرجت دلاية النقود من داخل صدرها وهي تقول 
وهتاخد عليها كام بقى يا معلم 
مليمين النقود في تلك الفترة 
وضعت بكفه مليما واحدا وقالت بفصال
هو مليم واحد مافيش غيرة 
تبسم لها في 
من يد ما نعدمها يا ست الكل و عبقال المرة الجاية.. 
عادت تسير في هوداء لتطالع فتوة الخان شاب اسمراني بجسد ضخم البنية وعريض المنكبين يرتدي جلباب بنية ويحمل النبوة بيدة ويلف العمامة السوداء أعلى رأسه بعيون حادة كالصقر نظر خلسة لمن يتطلع لمحبوبته ملكيته الخاصة فمن يجرؤ على النظر إليها والجميع في حي الخان يعلم بأنها تخصه وحده رفع النبوة وأسقطه بكل قوته أعلى الطاولة التي يجلس عليها الشاب الذي يتغزل معشوقته ويتفرس ملامحها بنظراته وهتف بصوت أجش 
عيونك دول هخرجهم في أيدك المرة الجاية لو
تم نسخ الرابط