رحلة الآثام بقلم منال سالم
المحتويات
تحت رجليه
ما لبث أن تحولت نبرته للسخرية حين أكمل
ده في سابع نومة مش دريان بحاجة
وطلب منها وهو يدنو برأسه بالقرب من أذنها ليخاطبها في همس عابث
خليني أنا أبات في حضنك ما تحرمنيش من قربك ده
وقتئذ تشنجت عضلات أوس وتحفز في نومته فهذه العبارة لم تكن مريحة أو مقبولة له بالمرة تحيرت أفكاره وأصابه التخبط فكيف لأمه أن تسمح لهذا اللزج بلمسها والتودد إليها هناك أمر ما خاطئ يحدث وهو لا يستطيع تفسيره أو فهمه
رغما عنه أجبر أوس على مشاهدة مما جعل عقله يصاب بشيء من الصدمة والذهول ا وسألته في غنج خجل
إنت بتعمل إيه نزلني!
أخبرها وهو يهم بالسير بها بعيدا
هتفت في التو وكأنها انتبهت لمدى التجاوز الدائر أمام غرفة صغيرها
طب استنى أقفل الباب لأحسن أوس يصحى أو يشوفنا
ضحك في تسلية وبصوت شبه مرتفع ليقول بعدها بغير مبالاة
وماله خليه يتعلم إزاي يدلع حبيبته ويبسطها!
لحظتها انقبض قلب الصغير بشكل مفزع وبدا رافضا لهذا التجاذب غير المستساغ بينهما ظل عقله يمتلئ بعشرات الأسئلة دون أن يجد لها أي إجابة مقنعة أين والده من ذلك لماذا رحل ليلا وترك أمه مع غيره يفعل بها مثلما اعتاد أن يفعل حينما يختليا معا أليس من المفترض أن ينصرف رفيقه قبل ذهابه أخذ يفكر ويعتصر رأسه محاولا استيعاب الخلل الحاډث في هذه العلاقة المريبة!
هذه الرهبة الغريبة منها وسألها في عبوس
مالك
مدفوعة بتوترها الحرج ردت وهي تتراجع عنه
حاسة إني مش مرتاحة في حاجة غلط
تفرس فيها معلقا بجدية
ازدردت ريقها وأوضحت له مخاوفها
أيوه عارفة ده بس مهاب مش سهل يسيب حاجة معتبرها ملكيته الخاصة
صحح لها في إصرار
بس إنتي مابقتيش خلاص بتاعته!
وهو لا يزال يتابع
إنتي من النهاردة ليا لواحدي
بالتدريج استكانت رهبتها مع مداعبته اللطيفة أغمضت عينيها مستمتعة بإحساس الأمان الذي راح يبثه لها فواصل ممدوح على نفس المنوال
توقف لهنيهة عن الكلام قبل أن يتم جملته ضاغطا على كل حرف فيها ببطء
وخصوصا مهاب!
بعدئذ شرع في البدء في وصلة متمرسة من الملاطفات والمغازلات المحفزة والودية ليجعلها تضحك وتتفاعل معه ثم استخدم أسلوبه الاحترافي لتتجاوب مع ما يمنحه لها من تشويق ومتعة ناداها هامسا بحروف اسمها في تناغم مثير فذابت أكثرر واتقدت مواطن المشاعر بها كانت بين يديه كمن يغفو من نشوة الخمر الممزوج بعواصف الهوى
تعمد ممدوح استخدام هذه الوسائل الناعمة ليجعلها طوع بنانه طامعة دوما فيما يقدمه لها فإن حانت لحظة الانفصال بينهما ظهرت نتائج ذلك برفضها كليا العودة إلى زوجها السابق فيحقق بذلك انتصارا جديدا عليه بإفساد علاقتهما نهائيا!
على الفراش الدافئ وتحت الأغطية الحريرية الناعمة استلقت بجواره وعيناها متعلقتان بأصابعهما المتشابكة معا كما لو أنها تحاول بشتى السبل المتاحة حفر هذه الذكرى المميزة بتفاصيلها الممتعة في ذاكرتها للأبد كانت في حالة انسجام غير طبيعية معه لم تصدق أنها أسلمت له نفسها بهذه السلاسة وكأنها متحرقة شوقا لاقترابه ولم يبخل عليها بما يجيده لتتذوق معه معاني الاختلاف والتفرد رفعت تهاني عينيها الناعستين لتنظر إليه واستطردت متحدثة في صوت خاڤت يحمل قدرا من التوجس
خاېفة أكون بحلم
وهو يخاطبها بلطافة زائدة
أوعي تخافي وأنا جمبك
رمشت بعينيها متابعة في خوف متأصل بداخلها
بس مهاب
اغتاظ من اقټحام رفيقه حتى لأشد لحظاتها خصوصية فعاتبها في رقة رغم انقلاب ملامحه
ينفع تفكري في حد تاني وإنتي في حضڼ جوزك
في التو اعتذرت منه لرعونة لسانها مبررة موقفها
أنا أسفة مقصدش بس إنت عارف الوضع معاه كان عامل إزاي ومش سهل عليا أنسى اللي شوفته
استشعر التوتر في صوتها فهون عليها الأمر بقوله المقتضب لكنه عنى لها الكثير
عارف وفاهم!
عمد إلى تغيير مجرى الحديث إلى شيء آخر ممتع فسألها مقترحا
تحبي نقضي بكرة فين
تنهدت بعمق وأجابته بغير اهتمام
مش جاي في بالي حاجة ده غير إن ماينفعش أسيب أوس لواحده وآ
قاطعها بوجه مال للعبوس
هو معاه المربية بتاعته
كادت تعترض عليه لكنه أسكتها بإصراره
اعتبري نفسك في تكليف طبي عاجل!
ليهمس لها
أنا عاوز أعيشك في الجنة معايا
أنهى جملته بالشروع في تجديد طقوس العشق معها لتتناسى تماما ما كان يؤرقها مضطجعها قبل لحظات
منذ أن تزوجت به رسميا وهي تحاول جاهدة بكل طاقاتها أن تجعل حياتها الأسرية مستقرة رغم كل المعوقات والعقبات التي واجهتها صمدت وكافحت وكابدت العناء لئلا تهدم ما سعت لبنائه وإن كان عدم الانجذاب قائما بينها وبين زوجها كان الأخير يؤدي ما عليه من واجبات بشكل روتيني ثابت وهي تلتزم بما
فرض عليها دون شكوى أو كلل لكن هذه المرة فاق الأمر قدرتها على الاحتمال أو السكوت
لم تطق فردوس الذهاب أو المشاركة في مراسم الډفن والعزاء الخاصة بشقيق زوجها وكيف لها أن تفعل عليها لمجرد أن والدته لا ترتضي بها زوجة لأي من أبنائها واستها إجلال في مصابها وسعت لتخفيف وطأة قساوة هذا الأمر عليها بترديدها
هوني على نفسك يا حبيبتي بلاش تقهريها أكتر من كده!
ردت عليها بصوتها الباكي المبحوح ودموعها تسال بغزارة
هو اللي أنا فيه قليل يرضي مين بس اللي بيحصلي ده!
أخبرتها بيقين
ربنا موجود وبيخلص!
ثم سكتت للحظة قبل أن تفصح لها عن هاجسها المحير
بس أنا خاېفة الناس تفهم غيابك غلط ويفسروه بحاجات تانية ما إنتي فاهمة اللي مايعرفش يقول عدس
صاحت في حړقة والألم يعتصر قلبها
محدش ليه حاجة عندي أنا اللي موجوعة أنا اللي اتظلمت
أمسكت بعدئذ فردوس بمنديلها القماشي ومسحت به دموعها قبل أن تضعه على أنفها لتجفف ما سال منه وهي لا تزال تنوح في أسى وحنق
ربنا يجحمه مطرح ما راح الظالم المفتري قبل إزاي على نفسه كده
لم تجد إجلال ما تعلق به عليها فلها كل الحق في اتخاذ موقف معاد جراء ما حدث تركتها تفرغ ما يملأ صدرها من ڠضب محموم واستمعت إليها وهي تكمل في كراهية معللة
منها لله أمه عقبال ما أشوف بعيني اڼتقام ربنا فيها!
اكتفت بهز رأسها تعاطفا معها وامتنعت عن ممارسة أي ضغوط أخرى لإقناعها بفعل العكس فما انقطع بقساوة لا يمكن أن يوصل ببساطة!
جلس في مقدمة الصفوف يتابع عن كثب وباهتمام غير طبيعي واحدة من اللقاءات الاجتماعية المقامة في النادي ليس لأنه من محبذي هذه الموضوعات النسائية أو لكونه من داعمي تلك القضايا المطروحة بل لأنها من ضمن المشاركين في هذا التجمع استغل مهاب معرفته بإحدى العضوات ذات الصلة الوثيقة ب ناريمان ليجري معها نقاشا جادا حول إحدى المسائل المرتبطة بذلك اللقاء على أمل أن تأتي رفيقتها إليها فيتمكن من التحاور معها استغربت السيدة لتحمسه الزائد عن الحد وسألته بشيء من الفضول
من إمتى بتهتم بالاجتماعات النسائية دي يا دكتور
ابتسم في وقار فتابعت متبسمة بتشكيك محسوس
احنا نادرا لما بنشوفك أصلا هنا في النادي
باحترافية محنكة أعطاها حجته المنطقية التي انطلت عليها في الحال
ده لظروف سفر المستمرة كل شوية بس أنا بحب أتابع كل جديد يخدم المجتمع وخصوصا السيدات والبنات
تطلعت إليه بغرابة وهي تعقب على ما أدلى به
مع إنك راجل يعني الأفضل تدعم المجتمع الذكوري
أوضح لها بهدوء
مين قال كده بالعكس أنا مع المرأة جدا وآ
قطع نقاشهما المتحضر إطلالة ناريمان الرقيقة عليهما وهي تلقي التحية بدلال
هاي
نهضت السيدة من مقعدها واحتضنتها في محبة قبل أن تمتدح جهودها بفخر
ناريمان كنتي روعة النهاردة
ردت مجاملة وهي تدور بعينيها على الضيف المألوف الذي نهض أيضا لتحيتها
ميرسي
امتدت يد مهاب لمصافحتها وهو يخاطبها برسمية مهذبة
أهلا يا هانم
قالت في نعومة وهي تمنحه كفها ليصافحه
أهلا بيك
أخبارك إيه يا هانم وإزي الوالد
تفاجأت مما اعتبرته رقيا زائدا واستعادت يدها مبتسمة لتعقب بتحير
لو مخانتنيش الذاكرة فأنا شوفت حضرتك قبل كده مظبوط
أكد لها ظنونها بنفس الوجه الهادئ الممزوج بملامح الجدية
ده حقيقي كنت مع والدك شوقي باشا من قريب عشان الشراكة الجديدة مع عيلة الجندي
هزت رأسها كأنما استحضرت الذكرى وردت
أها افتكرت
إضاعة فرصته معها كان مستبعدا لذا استأذن بلباقة وهو يشير بيده
إلى طاولته
تسمحيلي أعزمك على حاجة
رفضت بشكل حاسم
مش هينفع أنا مرتبطة بمواعيد
لم يبد مهاب منزعجا من رفضها المحرج له وأضاف بدبلوماسية راقية
مافيش مشكلة كفاية إني شوفتك النهاردة
اندهشت أكثر لطريقته الرسمية
تلك وظهر الاستغراب في نظراتها إليه ومع ذلك حافظت على معاملتها المتحفظة معه بردها المقتضب
أها أوكي
ثم التفتت ناظرة إلى رفيقتها لتخاطبها
أنا ماشية لو جاية معايا تعالي أوصلك في سكتي
في الحال قبلت دعوتها وردت
طيب
ثم استدارت تستأذن ضيفها لهذا اليوم بالذهاب وهي تمد يدها لمصافحته
فرصة سعيدة يا دكتور مهاب
بادلها المصافحة لكنه لم يفعل معها مثلما تودد إلى ناريمان وقال
أنا الأسعد
في خبث ماكر وجه حديثه إلى فريسته الجديدة مخاطبا إياها
عندي أمل نتقابل تاني يا ناريمان هانم
مطت فمها مرددة
ممم أكيد عن إذنك
انصرفت مجاورة لرفيقتها فظلت نظراته الثاقبة عليها حتى اختفت عن محيط نظره وقتئذ همهم معقبا بخفوت ساخر
تقيلة! بس على مين!!
عاود الجلوس على مقعده واسترخى أكثر عليه بعدما حل زر سترته كان كالحاوي الذي يمتلئ جرابه بعشرات الحيل والألاعيب اتسعت ابتسامته اللئيمة ليتابع في غرور واثق وغير قابل للتشكيك
كله في الآخر بيجي تحت رجلي!
اعتمادا على ما كان بينهما سابقا من صداقة قريبة توطدت في وقت وجيز علاقتهما الجديدة كزوجين متفاهمين مما دفع ممدوح للتجرؤ واقتراح ما لم تفكر فيه زوجته مطلقا أو حتى يطرأ ببالها ألا وهو طرد المربية الأجنبية التي تسببت في إذاقتها ألوان الإذلال والانكسار اړتعبت تهاني من مجرد الفكرة وتوسلته ليعدل عنها في توجس ظاهر
بلاش يا ممدوح
استنكر رهبتها كما أحس كذلك بالتوتر المخلوط بالخۏف
متابعة القراءة